لنحل مشكلاتنا معًا [الوسواس القهري وصراع مع النفس!]- بقلم القـ{الطموح}ـمر، الوجه المبتسم>>> رووف

الوسواس القهري، و صراع مع النفس!



فتحت دفتر مواعيدي لأرى من سيكون المريض التالي، انفرجت شفتيّ عن ابتسامة وأنا أرى اسم محمد يظهر أمام عيناي، لكم أعجبت بهذا الشاب. مذ رأيته لأول مرة أدركت أن له شخصية رائعة وواثقة لكنها اهتزت لسبب ما، تذكرت أول موعد له عندي. دخل بخطوات مترددة وكأنه غير واثق من قدرته على التخلص مما يعانيه، تتبعها خطوات واثقة لشخص آخر أتى بصحبته. رددت السلام وطلبت منهما الجلوس وأنا أرسم ابتسامة هادئة على وجهي، بعدها سألت بهدوء:
- " ما هي المشكلة التي تعاني منها؟"
ردّ محمد حينها وقال: "لا أدري ما هي بالضبط.. كل ما في الأمر أنه لا يمكنني أن ألمس شيئًا دون أن أغسل يديّ بعدها، لدرجة أني قد أغسل يديّ أكثر من أربعين مرةّ يوميًا، بالإضافة إلى المرات التي أغسل فيها يدي أثناء الوضوء، وكما ترى بدأ جلدي بالتقرح ومع ذلك لا يمكنني منع نفسي من ذلك..."
- "إذن أنت تعلم بأن ذلك خاطئ، لكنك لا تستطيع التوقف عن فعله، صحيح؟"
ردّ وهو يخفض رأسه للأسفل: "بلى.. لكن.. هناك شيء ما يدفعني لفعل ذلك والكثير من الأفكار والهواجس تلاحقني عن الجراثيم والأمراض التي قد أصاب بها إن لم تكن يديّ نظيفتان تمامًا، تعبت حقًا من ذلك. هل تعرف ما المشكلة يا دكتور؟"
- "يؤسفني أن أقول أنك تعاني من وسواس قهري."
ردد بانفعال: "وسواس قهري.. ما هذا؟!"
بدأت أشرح له الوضع قائلًا: "كما قلتَ سابقًا، المرض عبارة عن أفكار وهواجس غير معقولة وقد تعتبرها سخيفة أحيانًا، لكنك لا تستطيع طردها والتوقف عن اتباعها و إن فعلت قد تعاني من صراع نفسي وقلق داخلي شديد يدفعك إلى التراجع عن قرارك وفعل ما تطلبه."
خيم الصمت على المكان حتى قطعته بسؤالي: "هل سبق أن أصيب أحد أفراد العائلة بالوسواس القهري؟"
هذه المرة رد عليّ الأخ الأكبر -كما أعتقد- بقوله: "لا.. لم أسمع بذلك من قبل."
- "حسنًا، هل حدث شيء قبل التعرض لهذه الوساوس؟"
- "بذكر هذا.. أظن أن أحدهم عطس على يدي بدون قصد منه، وبعدها بدأت أقلق كثيرًا من أن تكون هناك جراثيم وميكروبات عليها وقمت بغسلها كثيرًا، ومع مرور الوقت، أصبح هذا بمثابة عادة لديّ."
- "فهمت، إذن سبب وسواسك هو هذه الحادثة...."

انقطع حبل أفكاري على صوت طرقات الباب، قلت بابتسامة: "تفضل يا محمد."
أطل وجهه من خلف الباب وهو يحيني بابتسامة، يبدو حاله أفضل بكثير من السابق، مع أن جلسات علاجه لم تكن كثيرة، استطعت معرفة أن ثقته بنفسه قد عادت وأنه لن يحتاج إليّ بعد الآن.
- "الحمد لله.. تبدو أفضل حالًا عما كنت عليه في أول مرة أتيت فيها إلى هنا. حسنًا، قمت سابقًا بإجبارك على فعل العديد من الأمور دون أن تغسل يديك ولاحظت تحسنك الكبير وتقبلك للعلاج، والآن أودّ أن أعرف ماذا فعلت خلال هذا الأسبوع."
- " كما قلت يا دكتور، بداية أكثرت من ذكري لله وتوكلت عليه وتذكرت أن الأمر بيديه. ثم بدأت أشغل نفسي عن غسل يدي بأشياء أخرى كالقيام بالتمارين الرياضية والاهتمام أكثر بدراستي وتنمية مواهبي، وأيضًا بعد القيام بأي عمل أمتنع عن غسل يديّ إن رأيت أن هذا غير ضروري، وبالتأكيد كان لعائلتي وأصدقائي دور كبير في تخلصي من هذا العذاب النفسي حيث كانوا يشجعوني على الاستمرار في العلاج ويمنعوني من غسل يداي إن كان الأمر لا يتطلب ذلك."
تعجبت من قدرته على تنفيذ كل ما طلبت منه لكنني أدركت أن ذلك كان بسبب إيمانه الكبير بالله عز وجل وأن قدرته تفوق كل شيء، ولعزيمته وإصراره الكبير على العلاج. تذكرت أمر الدواء بعدها وسألته: "ماذا عن دواء الإنوستول الذي وصفته لك؟ لم تذكر شيئًا عنه."
- "بالطبع قمت باستخدامه كما طلبت، لكن مع ذلك أظن أن الدور الأكبر كان للعلاج النفسي وليس به، لكن قد يكون له دور أيضًا."
- "بالطبع، لكن كما قلت فتأثير العلاج النفسي أكبر من العلاج الدوائي. بالحديث عنه، يسرني أن أخبرك أنك لن تحتاج إلى تناوله مجددًا كما أنك لن تحتاج إليّ أيضًا، سأحدد لك موعدًا بعد شهرٍ من الآن لأرى حالتك بشكل نهائي."
ردّ بفرح واضح: "هل يعني هذا أنني تخلصت من الوساوس القاهرة والعذاب النفسي؟"
أطلقت ضحكة صغيرة وقلت: "أجل، لكن عليك الاستمرار في العلاج قليلًا حتى تتأكد من أن الوساوس لن تعود، ولا حاجة لتذكيرك بأن عليك أن تواصل في ذكرك لله والثقة به."
بدا الارتياح على وجهه وهو يقول: "شكرًا لك يا دكتور، لقد كنتَ السبب في شفائي بعد الله سبحانه، الحمد لله الذي جعلني أعود لك للتخلص من عذابي النفسي."
- "هذا واجبي، كل ما فعلته هو أني ساعدتك على ذلك، لكن مواجهتك لواقع أنك مصاب بالوسواس القهري وثقتك بالله هي السبب الذي جعلك تتعافى بسرعة وليس أنا."
بعدها قام من على كرسيه وحياني ثم توجه إلى الباب وأنا أشاهده وأقول في نفسي: "كم سأفتقدك يا محمد، ربما لا تعلم لكنني تعلمت منك الكثير."


الوسواس القهري (Obsessive–compulsive disorder-OCD):
هو عبارة عن أحاسيس و قلق مرضي يمكن تمييزه بأفكار غريبة و تصرفات غير معقولة، مع علم صاحبه بسخافة هذه الأفكار و التي ينتج عنها عدم الارتياح والتوجس، والخوف، و التي قد تظهر من خلال سلوكيات متكررة تهدف إلى الحد من القلق المرتبط بهذه الأفكار.

صاحبنا محمد في القصة السابقة كان مصاب بوسواس قهري يجعله يغسل يده لمرات عدة و أكثر من اللازم، لخوفه من الجراثيم و الأمراض المصاحبة لها مع علمه أنه يبالغ في هذا وأنه بذلك يضر نفسه لكنه مع ذلك لا يستطيع منع نفسه.
البعض ذكر أن الوراثة تلعب دوراً في الإصابة بهذا المرض، لكن هذا القول ضعيف حيث أن الأمراض النفسية غالباً لا تنتقل بالوراثة، بل قد يكون السبب هو أن الشخص نشأ في بيئة كان الأب أو الأم فيها موسوساً بشأن شيء ما فانتقل المرض بالتقليد والتعلم، وقد تكون التربية الصارمة كذلك سبب في هذا والحوادث المفاجئة أيضاً.

أما طرق العلاج، فعديدة، أبرزها العلاج السلوكي والذي يسمى (التعرض، و منع الاستجابة) ويعمل هذا الأمر كالتالي، مثلاً في حالة محمد فإن الطبيب يجعله يلمس شيئاً متسخاً قليلاً وهذا هو التعرض، ثم يمنعه من غسل يديه، و هذا ما يسمى بمنع الاستجابة، أي يمتنع عن الاستجابة للسلوك الناتج عن قلقه و توتره حيال نظافة يده، و بالطبع يتم الأمر تدريجيًا حتى يستطيع المريض التغلب على أعراض المرض.

كما أن هناك مجموعة من الأدوية والتي تهدف إلى زيادة توافر مادة السيروتونين في خلايا المخ، مثل أدوية بروزاك، كذلك الإنوسيتول (Inositol) يعتبر أحد أهم الأدوية التي اكتُشِفت فعاليته العالية مؤخراً.

سيكون من الأفضل أن يرافق أحد الأقارب المريض عند ذهابه إلى الطبيب حتى يعرف الأسباب وطريقة العلاج، فيستطيع بذلك مساعدة المريض و دعمه في فترة علاجه، كما أن الطبيب سيرشد الأهل إلى كيفية التعامل مع السلوكيات القهرية و كيفية تقليلها تدريجيًا و ذلك يتم بالطبع بعد أخذ موافقة المريض.

يبقى أن نقول أن عزيمة المريض و استعانته بالله و الدعاء من أهم الأسباب التي ستساعده في التخلص من هذا المرض. فالايمان، يصنع المعجزات!

تم

https://msoms-magazine.jordanforum.net/t147-topic#332